في ذكرى الوعكة الصحية للرئيس مام جلال
*المرصد/فريق الرصد
حلت يوم الأربعاء 17/12/2025 الذكرى السنوية لتعرض الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني (مام جلال) إلى الوعكة الصحية التي ألمت به في 17 كانون الأول/ديسمبر 2012، وهو في قلب مهامه الدستورية والسياسية، في لحظة عراقية بالغة التعقيد، كانت البلاد فيها تقف على حافة انقسامات حادة وأزمات متشابكة، داخلية وإقليمية، لم يكن احتواؤها ممكنا من دون دور جامع وحكيم مثل الدور الذي اضطلع به مام جلال.
ففي صباح 18 كانون الأول 2012، أعلن مكتب رئاسة الجمهورية أن الرئيس بذل خلال الأيام التي سبقت الوعكة الصحية “جهودا مكثفة بهدف تحقيق الوفاق والاستقرار في البلاد”، قبل أن يتعرض لإرهاق شديد أدى إلى طارئ صحي نقل على إثره إلى المستشفى في بغداد، ثم إلى ألمانيا لاستكمال العلاج.
وأكد البيان الطبي آنذاك أن الحالة ناجمة عن تصلب في الشرايين، وأن وظائف الجسم كانت مستقرة، فيما توالت برقيات التضامن والاتصالات من داخل العراق وخارجه، في مؤشر نادر على حجم الإجماع على شخصه ودوره.
رئيس يعمل حتى اللحظة الأخيرة
لم تكن الوعكة الصحية حدثا منفصلا عن السياق السياسي، ففي اليوم ذاته واصل الرئيس طالباني أداء مهامه، من إدانة التفجيرات الإرهابية التي ضربت كركوك ونينوى وديالى، محذرا من محاولات إذكاء الفتن القومية والطائفية، إلى توقيع حزمة واسعة من القوانين الاستراتيجية، شملت الاتفاقيات الدولية، وملفات حقوق الإنسان، ومكافحة الفساد، والتنمية الاقتصادية، فضلا عن استقباله رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي، والتأكيد على أن “الحوار الصريح والعمل بروح الدستور والتوافقات الوطنية هو الحل الوحيد لبناء العراق على أساس الشراكة والتآخي”.
كما واصل مام جلال دوره في السياسة الخارجية، مستقبلا وفودا عربية ومؤكدا رغبة العراق في توطيد علاقاته الإقليمية، في وقت كانت فيه البلاد تعاني من عزلة نسبية وتوترات حادة.
صوت العقل والرصانة
أبرز ما عبر عن ثقل مام جلال ودوره المفصلي، كانت الرسالة التي بعث بها جوزيف بايدن، نائب الرئيس الأميركي آنذاك، في 20 كانون الأول 2012، والتي وصف فيها طالباني بأنه “صوت العقل والرصانة” القادر على توحيد الصفوف، مؤكدا أن العراق “بحاجة إليك لتعود إلى موقعك”، وأنه “رجل حكيم” و”وطني عراقي عظيم”. لم تكن هذه الكلمات مجاملة دبلوماسية، بل توصيفا لدورٍ كان يدركه الفاعلون الدوليون والعراقيون على حد سواء.
صمام أمان العراقين
لم يصف بايدن وحده مام جلال بصمام الأمان؛ فقد سبقه ولاحقه في ذلك قادة عرب ودوليون، ومرجعيات دينية وسياسية عراقية، من بينهم آية الله العظمى السيد علي السيستاني، الذي رأى فيه عامل توازن وحماية للنسيج الوطني. وقد لخص الدكتور عادل عبد المهدي تلك المكانة بالقول إن طالباني “لم يكن موقعا شرفيا ولا شخصية مجاملة، بل قائدا يمسك بتلابيب الحلول، وتلتقي عنده مختلف الاتجاهات في وعيه وغيابه”.
ما بعد الغياب: فراغ الحكمة
أثبتت السنوات التي تلت الوعكة الصحية ثم غياب مام جلال، أن غيابه لم يكن شخصيا فحسب، بل غيابا لوظيفة سياسية وأخلاقية جامعة، فعلى المستوى العراقي، تراجعت لغة التهدئة لصالح التصعيد، وتعمقت الانقسامات الطائفية والسياسية، وغابت المبادرات الجادة لاحتواء الأزمات قبل انفجارها.
أما على مستوى إقليم كوردستان، فقد تأثرت وحدة الصف والشراكة السياسية، وبرزت خلافات حادة بين القوى الكوردستانية، في ظل غياب مرجعية قادرة على الجمع والتقريب وتقديم المصلحة العامة على الحسابات الحزبية.
لقد كان مام جلال، كما وصفه كثيرون، “إطفائيا لحرائق البلاد”، لا صانع أزمات. وسيطا دائما بين بغداد وأربيل، وحارسا للسلم الوطني، لا يتردد في الذهاب إلى أي طرف، مهما كانت الخلافات، لإعادة الحوار إلى مساره.
ضرورة وطنية متجددة
في هذه الذكرى، لا يستعاد مام جلال بوصفه شخصية تاريخية فحسب، بل باعتباره نموذجا سياسيا لا تزال البلاد بحاجة إلى روحه ونهجه: احترام الدستور، الإيمان بالشراكة، تغليب الحوار على الصدام، والابتعاد عن الطائفية والقومية الضيقة. لقد كان كورديا بين العرب، وعربيا بين الكورد، عراقيا في الجوهر، وكوردستانيا في الانتماء، دون تناقض أو ازدواج.
إن استذكار الوعكة الصحية التي ألمت به وهو يمارس مهامه حتى اللحظة الأخيرة، يذكر العراقيين والكوردستانيين معا بأن غياب القادة الجامعين لا يُقاس بالسنوات، بل بما يتركه من فراغ في الحكمة والتوازن والقدرة على لم الشمل.
وفي زمن تتكاثر فيه الأزمات، تبقى تجربة مام جلال رسالة مفتوحة: أن العراق، ومعه إقليم كوردستان، لايستقران إلا بالشراكة، ولا يُحفظان إلا بصمامات أمان من طراز جلال طالباني.
نهج مستمر بقيادة بافل جلال طالباني
ويشهد الواقع السياسي اليوم أن الاتحاد الوطني الكوردستاني بقيادة بافل جلال طالباني يسير على نهج الرئيس مام جلال، محافظا على دوره الجامع وعلاقاته الرصينة على الساحة الكوردستانية والعراقية والإقليمية والدولية.
هذا النهج يثبت الالتزام بالشراكة الوطنية والحوار المستمر، والعمل من أجل استقرار البلاد وخدمة المواطن، ويؤكد أن مسيرة الاتحاد الوطني مستمرة في تعزيز التوافق وحماية مصالح العراقيين والكوردستانيين على حد سواء.