قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش إن ما قدمه العراق للإنسانية هو "مصدر إلهام عميق"، مشيرا إلى مكانته كمهد للحضارة وموطن لأقدم نظم الكتابة والقضاء، ومرتع لتنوع غني من الثقافات والأديان والأعراق.جاء ذلك خلال كلمة ألقاها في بغداد، يوم السبت، بمناسبة إنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي). وأكد غوتيريش أن التقدم الذي أحرزه الشعب العراقي في السنوات الأخيرة يمثل بدوره مصدر إلهام، قائلا: "ونحن نؤكد على ذلك اليوم، إذ نغلق فصلا من تاريخ تعاون الأمم المتحدة مع العراق - ونفتح فصلا آخر".
وشدد الأمين العام على أن ما تحتفل به الأمم المتحدة هو شجاعة الشعب العراقي وثباته وتصميمه"، مؤكدا أنهم "تغلبوا على عقود من العنف والقمع والحرب والإرهاب والطائفية والتدخل الأجنبي".
وأوضح غوتيريش أن الشعب العراقي لم يتوانَ - رغم كل الصعاب - عن الالتزام ببناء مجتمع سلمي شامل يرتكز على سيادة القانون والمؤسسات الفعالة. واستعرض مسيرة هذا التقدم، بدءا من صياغة دستور 2005، ومرورا بإجراء انتخابات وطنية ومحلية متعددة، ثم إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش، ووصولا إلى إقامة علاقات أقوى مع الجيران والمجتمع العالمي. وأكد أن عراق اليوم "بلد جدير بالإعجاب مغايرٌ تماما لما كان عليه – بلد ينعم بالسلام وبمزيد من الأمن وذو تصميم واضح على كسب معركة التنمية".
دور يونامي في مسيرة العراق
أشار الأمين العام إلى أن بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق تشرفت بالعمل "جنبا إلى جنب مع الشعب العراقي"، حيث قدمت المشورة للحكومات المتعاقبة بشأن الإصلاحات القضائية والقانونية، وعززت حقوق الإنسان، وساندت الحيز المدني للنساء والشباب والأقليات.
وأضاف أن البعثة لعبت دورا حاسما أثناء استيلاء داعش على مناطق واسعة، حيث ساعدت في حشد وتنسيق الدعم لحماية المدنيين وملايين النازحين. كما ساهمت في تعزيز الحوار السياسي الشامل والمصالحة الوطنية، بدءا من الحوار حول تقاسم السلطة في كركوك، وصولا إلى المساعدة في ضمان العودة الآمنة والكريمة لملايين النازحين داخليا، بمن فيهم العائدون من مخيم الهول وأفراد الطائفة الإيزيدية.
إحياء ذكرى ضحايا الهجوم الإرهابي
أشاد غوتيريش بجميع العاملين في البعثة، مُكرّما بشكل خاص ضحايا الهجوم الإرهابي على مقر قيادة البعثة في فندق القناة عام 2003، الذي أسفر عن مقتل 22 زميلا وإصابة أكثر من 100 آخرين. وقال: "إننا نكرم ذكراهم جميعا ونحتفي بما تركوه من إرث - بمن فيهم سيرجيو فييرا دي ميلو، أول ممثل خاص يقود البعثة. وقد بات يوم 19 آب/أغسطس يعرف الآن بـ اليوم العالمي للعمل الإنساني".
كما وجه كلمة امتنان خاصة للموظفين الوطنيين - العراقيين الذين عملوا "عاما بعد عام لإعادة بناء بلدهم وتقويته".
التزام أممي دائم
وفي ختام كلمته، أكد الأمين العام – بعد لقائه رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني – على التزام الأمم المتحدة بمواصلة دعم العراقيين في تعزيز المؤسسات والحوكمة والمساءلة، وتحسين الخدمات، وتنويع الاقتصاد.
وختم غوتيريش بالقول إن الأمم المتحدة ستواصل، بعد انتهاء عمل البعثة، "السير جنبا إلى جنب مع شعب العراق على طريق السلام والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان". وأعرب عن امتنانه لقرار الحكومة العراقية تخصيص شارع باسم "شارع الأمم المتحدة"، واصفاً إياه بـ "رمز يدل بقوة على شراكتنا الدائمة".
وقال: "تأكدوا أن الأمم المتحدة ستكون معكم في كل خطوة على هذا الطريق".
من جانبه ثمن رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الذي رعى مراسم الإعلان الرسمي لإنتهاء اعمال ولاية بعثة الامم المتحدة (يونامي)، دور الامم المتحدة ورؤساء بعثتها وموظفيها الذين عملوا في العراق خلال 22 عاما كانت مليئة بالتحديات والأمل والإصرار، مبينا أن بعثة يونامي شريكا حيويا في مساندة العراق ومساعدته بعد خلاصه من الدكتاتورية، وتأسيس نظام جديد يعتمد الديمقراطية والتمثيل الحر لمكوناته.وأكد السوداني أن العراق يمضي بثبات وقوة نحو التنمية والنهضة الاقتصادية، ولعب دورا رياديا مؤثرا وحاسما بالمنطقة وصار محط ثقة وإشادة في إدارة التوازنات فيها، مشددا على الالتزام بشراكة طويلة الأمد مع الامم المتحدة في مجالات التنمية والإصلاح وبناء القدرات والاستقرار الاقتصادي والتعاون الإقليمي.
وفيما يلي اهم ما جاء في كلمة السوداني:
نستذكر ممثل الأمين العام الراحل سيرجيو دي ميلو وبقية رفاقه.
بعثة يونامي لم تستثمر خبرتها الفنية فقط بل استثمرت دماءها في خدمة العراق، هذه التضحيات ترسّخت في وجدان العراقيين.
انتهاء مهمة يونامي لايعني نهاية العلاقة مع الأمم المتحدة، بل بداية مرحلة جديدة من التعاون.
نقدر دور جميع العاملين في البعثة الأممية، والشكر موصول للرئيس الحالي للبعثة السيد محمد الحسان على كل ما بذله من جهود متفانية.
استكملنا البناء الدستوري والمؤسساتي بدعم الأشقاء والأصدقاء بعد ما مر به العراق من حروب وقمع وعزلة، تسببت بها سياسيات النظام الدكتاتوري.
نثمن اختيار رئيس الجمهورية السابق السيد برهم صالح لشغل منصب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وليساهم العراق بشخصياته السياسية والاعتبارية بوضع الحلول وتقديم الدعم للاجئين في العالم اجمع.
بعثة يونامي وقفت معنا سياسيا وتقنيا وإنسانيا، وأسهمت في تثبيت المسارات الدستورية ودعم العمليات الانتخابية، وبناء القدرات وتقديم المشورة.
قطعنا شوطا مهما في بناء نظام سياسي تعددي، وتعزيز مؤسسات الدولة والمسار الديمقراطي.
نجحت حكومتنا باجراء انتخابات مجلس النواب بدورته السادسة وبمشاركة فاعلة لابناء شعبنا الكريم.
حكومتنا حرصت على المضي نحو تعزيز قوة العراق سياسيا، بجانب عملها التنفيذي في الشؤون الخدمية والاقتصادية والتنموية.
اعتمدنا مبدأ (الدبلوماسية المنتجة) للارتقاء بالمكانة الدولية للعراق، بوصفه بلدا محوريا ومؤثرا يحظى باحترام جميع الدول ويتمتع بالسيادة الكاملة.
العراق شهد خلال السنوات الثلاث الماضية تطورا كبيرا في جميع المجالات، وبشهادة الرؤساء والمسؤولين الذين زاروا البلد.
ملتزمون بشراكة طويلة الأمد مع المنظمة الأممية في مجالات التنمية والإصلاح وبناء القدرات والاستقرار الاقتصادي، والتعاون الإقليمي.
نتقدم نحو مرحلة جديدة عنوانها السلام والاستقرار والتنمية مع الالتزام بالديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان وسيادة القانون.
نقدر دور المرجعيات الدينية والقوى السياسية والنخب الاجتماعية التي اسهمت بتعزيز التجربة العراقية، وصولاً إلى هذا اليوم التاريخي.
الحسان : البلد مقبل على خطة مارشال عراقية - عراقية
من جهته أعلن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق محمد الحسان، أن مهمة بعثة يونامي ستنتهي بشكلٍ رسمي في الـ 31 ديسمبر كانون الأول الحالي.
مشيراً إلى أن أعضاء البعثة الأممية سيغادرون العراق بشكلٍ كامل بعد يوم الـ 31 ديسمبر كانون الأول.
وقال الحسان في حوار مع "أخبار الأمم المتحدة"، السبت، أن البعثة أتت بناء على طلب العراقيين، وإنهاء البعثة أتى أيضاً بناء على طلبهم.مشيراً إلى أن الأمم المتحدة "ستكون موجودة وقد تكون موجودة بغزارة وأكثر من السابق، لأن العمل تحول الآن إلى عمل تقني في قضايا المناخ، في قضايا الصحة، في قضايا التعليم، في قضايا التكنولوجيا".
وأضاف: استضاف العراقيون لأكثر من عقدين بعثة يونامي، وكان العمل شاقاً، فوجدوا أن المهمة الموكلة لبعثة يونامي تقريباً حققت أهدافها، وآن الأوان لكي يأخذوا الأمور بأيديهم مثلهم مثل غيرهم من الدول.
وأشار إلى أنه "يتفق مع هذا الطرح"، مؤكداً أن "المهمة فعلاً أنجزت بنجاح، وكانت هناك 3 ملفات متبقية وهي مسألة المفقودين من دولة الكويت ورعايا الدول الثالثة منذ أيام الحرب وأيام غزو الكويت، هناك أيضاً مسألة ممتلكات الكويتيين، وأيضاً الأرشيف الوطني الكويتي".
وأوضح: من بين 72 مصرفاً تقريباً، هناك 38 منها تقع تحت العقوبات، لا يمكن لدولة أن تشرع في مرحلة اقتصادية وتنموية مستدامة - والعراقيون يريدون ذلك - بدون رفع هذه العقوبات عن هذه المصارف.
وقال: هناك بعض المحطات المهمة في تاريخ العراق، فالعراقيون اليوم يستطيعون الذهاب لصناديق الاقتراع بحرية ودون ضغوطات، والتصويت لمن يختارونه لتحديد مصيرهم المستقبلي، هذا يعني خيار الحرية، وهو في أيدي الشعب العراقي، هذا أولا، الشيء الثاني، تمكن المجتمع الدولي بالذات - التحالف الدولي - بالتنسيق مع العراقيين وبتضحيات أكثرها من العراقيين، من القضاء على داعش".
وتابع: هذا البلد مقبل على خطة مارشال عراقية - عراقية بدون أي فضل من الخارج لإعادة رسم الموقع الحقيقي لهذا البلد وهذا الشعب، ليس فقط على الخارطة العربية وإنما على الخارطة العالمية.
وفي ختام كلمته، تمنّى الحسان أن يبتعد العراقيون عن الطائفية ويرسموا مستقبلاً لكل العراقيين.
وقال: آن الأوان الآن لكل العراقيين أن يشعروا بأنهم منتمون لهذا البلد على أساس المساواة في المواطنة، وليس على أساس حزبي أو فئوي.