بيان للرأي العام بمناسبة مرور عام على سقوط نظام البعث
قبل عام كامل طوى السوريون صفحة طويلة من الاستبداد بسقوط نظام البعث، بعد عقود من القبضة الأمنية والنهج العنصري الذي لم يكن يمثل أي قومية أو دين أو طائفة، بل كانت سلطة مجرّدة من الانتماء، حريصة على خدمة فئة محددة ومصالح دول معينة بعيداً عن إرادة شعب سوريا وتطلعاته فكان حكماً أوليغارشيا متسلطاً على المكونات السورية.
لقد جاء سقوط ذلك النظام نتيجة نضال شعب سوريا بعد تضحيات عظيمة وسنين طويلة، غير أن الانهيار المفاجئ حصل بفعل توافقات دولية جرت في الغرف المغلقة، الأمر الذي ميّز بين الإرادة الشعبية الصادقة لإسقاط الاستبداد وبين الترتيبات الدولية التي حسمت اللحظة الأخيرة للسقوط.
ففتح الباب أمام مرحلة انتقالية كان يُفترض أن تمهّد لبناء جمهورية ديمقراطية ومجتمع ديمقراطي جديدين، تماشياً مع الحاجة التاريخية للتغيير، خاصة بعد أن وصلت الرأسمالية الحديثة وشكل الدولة القومية الاحتكارية إلى مستوى بات يهدد مستقبل الإنسانية جمعاء.
ورغم التضحيات الجسيمة التي قدّمها السوريون في سبيل الحرية، فإن العام الماضي لم يشهد التغيير المنشود. وعلى العكس برزت أنماط حكم جديدة أعادت إنتاج عقلية الاستبداد البعثي بوجوه مختلفة كما هو الحال في ممارسات الحكومة الانتقالية في دمشق.
وفي الوقت الذي كان يُنتظر فيه ترسيخ الأمن وبناء الثقة شهد السوريون في الساحل والجنوب مجازر متعمدة حيال مجتمَعَيْ العلويين والموحدين الدروز وبَدْءِ الهجمات على الشهباء وسد تشرين وما تزال تشهد العديد من المناطق انتهاكات وتهديدات، إلى جانب استمرار خطاب الكراهية والتعصب بين المكونات وتدهور الأوضاع الاقتصادية التي دفعت الملايين نحو الفقر والجوع. كما بقيت قضايا المهجّرين في عفرين وسري كانيه (راس العين) وكري سبي (تل ابيض) دون أي حل وَسْطَ استمرار الاحتلال التركي للأراضي السورية.
أما الخطوات التي أعلنتها السلطة الانتقالية ــ من مؤتمرات، وإعلان دستوري، وتشكيل حكومة، وانتخابات برلمانية ــ فقد جاءت في إطار التفرد بالسلطة وتهميش السوريين، بعيداً عن المشاركة الشعبية الواسعة المطلوبة لإعادة بناء البلاد على أسس سليمة.
إن موقفنا الواضح هو ضرورة مشاركة جميع السوريين، بكل مكوّناتهم، في العملية الانتقالية وإعادة بناء سوريا، وفق مقاربة وطنية مستقلة عن المصالح الدولية والإقليمية، وموازنة لها بما يخدم مصلحة سوريا العليا. فبلادنا لم تعد تحتمل المزيد من العنف والحرب، ولا يمكنها النهوض إلا عبر الحوار والتفاوض الديمقراطي، وبالاستفادة من غنى سوريا بتنوّع قومياتها وأديانها ومذاهبها.
لقد أثبتت التجربة أنّ شكل الدولة القومية المركزية لم يعد مجدياً، بل تحول إلى نموذج يهدد الجميع، وأن الشرعية الحقيقية يجب أن تُبنى من خلال التمثيل الفعلي لكل السوريين، وهو ما فشلت السلطات الحالية في تحقيقه.
كما أننا نرى أن مشروع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، بما رسخته من مبادئ المشاركة الشعبية، واللامركزية الديمقراطية، وتمثيل مختلف المكونات، تمثل نموذجاً عملياً يمكن البناء عليه في إطار حل شامل للأزمة السورية.
ومن منطلق مسؤوليتنا تجاه مستقبل بلادنا، نؤكد أن بناء سوريا جديدة لن يتحقق إلا عبر تبنّي مشروع واضح المعالم يقوم على أسس الديمقراطية واللامركزية، بما يضمن مشاركة جميع السوريين في إدارة شؤونهم، ويعكس التنوّع القومي والديني والثقافي لوطننا. إن سوريا الديمقراطية اللامركزية هي الإطار الوحيد القادر على إنهاء الاستبداد، ومنع إعادة إنتاجه، والحفاظ على وحدة سوريا، وتحقيق العدالة والمساواة والتنمية في كل المناطق دون تمييز.
وعليه، نؤكد تمسكنا بخيار الحل السياسي، والحوار الوطني الشامل، والتمسك بمقاصد القرارين الدوليين ٢٢٥٤ و ٢٧٩٩.
وتطبيق اتفاق العاشر من آذار باعتباره خطوة أساسية نحو بناء جمهورية ديمقراطية ومجتمع ديمقراطي يليق بتضحيات الشعب السوري وتاريخه.
المجلس العام لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD
قامشلو ٧ ديسمبر ٢٠٢٥