* المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI
يمثل قرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” خلال نوفمبر 2025 ببدء إجراءات تصنيف بعض فروع جماعة الإخوان المسلمين كمنظمات “إرهابية أجنبية” محطة مهمة ومفصلية في مسار تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع جماعة الإخوان المسلمين. هذا الإجراء يفتح الباب أمام العديد من التداعيات السياسية والقانونية الواسعة، والتي تمتد من إسرائيل والأراضي الفلسطينية إلى دول الخليج وقطر، مرورا بالأردن ولبنان ومصر.
حيثيات قرار ترامب ببدء إجراءات تصنيف فروع الإخوان المسلمين كإرهابية
وقع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في 24 نوفمبر 2025 أمرا تنفيذيا يقضي بدراسة تصنيف بعض فروع جماعة الإخوان المسلمين كمنظمات “إرهابية أجنبية”، في خطوة من شأنها فرض عقوبات على إحدى أقدم الحركات الإسلامية وأكثرها نفوذا في العالم العربي. جاء في الأمر التنفيذي: “يطلق هذا الأمر عملية يعتبر بموجبها بعض فروع جماعة الإخوان المسلمين منظمات إرهابية أجنبية”، مع الإشارة خصوصا إلى فروع الإخوان المسلمين في لبنان ومصر والأردن. يشير الأمر التنفيذي إلى أن تلك الفروع تغذي الإرهاب، وترتكب أو تسهل أو تدعم العنف وحملات زعزعة الاستقرار التي تضر بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، وتشكل تهديدا لمواطني الولايات المتحدة وللأمن القومي الأمريكي.
ينص الأمر على أن يتخذ وزير الخارجية ووزير الخزانة الإجراءات اللازمة خلال 45 يوما من تقديم التقرير، إذا تقرر المضي في تصنيف تلك الفروع كـ”منظمات إرهابية أجنبية” و”إرهابيين عالميين مصنفين بشكل خاص”. لا يصنف الأمر التنفيذي جماعة الإخوان المسلمين كليا منظمة إرهابية، بل يوجه المؤسسات الأمريكية لبدء عملية تصنيف تستهدف فروعا وكيانات فرعية محددة، لا سيما تلك العاملة في لبنان ومصر والأردن.
يستند هذا التصنيف المحتمل إلى دعم هذه الفروع المزعوم لأحداث السابع من أكتوبر أو تورطها فيها. ووفقا للتقييمات الأمريكية، قدمت فروع الإخوان المسلمين في الأردن ومصر دعما ماليا لحركة حماس، بينما شاركت فصائل لبنانية بما فيها قوات الفجر التابعة للجماعة في إطلاق صواريخ واشتباكات عسكرية ضد إسرائيل.
ورغم أن الأمر التنفيذي لا يعلن في حد ذاته هذا التصنيف، فإنه يشكل خطوة هي الأكثر تقدما منذ النقاش الذي دار خلال ولاية ترامب الأولى، والذي لم يصل آنذاك إلى مرحلة الإجراءات التنفيذية الرسمية، وسط تعقيدات سياسية وقانونية داخل الولايات المتحدة. “الإخوان المسلمين”في تقارير الاستخبارات الأوروبية (ملف)
تأثير القرار على إسرائيل والأراضي الفلسطينية
يكشف القرار الامريكي بدراسة تصنيف فروع الإخوان المسلمين في لبنان ومصر والأردن بوضوح أن الرئيس “ترامب” اختار البدء بمواجهة جماعة الإخوان عبر الفروع المنخرطة بشكل مباشر في الصراع مع إسرائيل.
تداعيات القرار على حركة حماس:
يعد الهدف المعلن من الربط بين فروع الإخوان وحماس هو استهداف “خطوط التأييد والتمويل” عبر تجميد أصول وملاحقة داعميها. عمليا، أي خطوات امريكية لقطع شبكات مالية أو تقييد سفر قيادات وسيطة يمكن أن تزيد من صعوبة تشغيل قنوات دعم خارجية لحماس. بالمقابل، يتوقع محللون أن التشديد على الإخوان قد يدفع ببعض الارتباطات إلى “العمل تحت غطاء سري أو مستقل” أكثر، أو إعادة توزيع قنوات التمويل والدعم، مما يعني أن العقوبات أو التجميد المالي قد تحبط بعض القنوات لكنها قد لا تلغي قدرة حماس على الإيفاء بأنشطتها.
وقد يتجدد الدعم الدبلوماسي، المالي أو الإعلامي عبر دول تعتبر التصنيف غير شرعي، مما يقلل من فعالية الضغوط. بالتوازي مع ذلك، قد تتفاعل حماس مع التصنيف الامريكي عبر تخفيف الخطاب المرتبط بالإخوان أو قطع الارتباط بشكل رسمي إعلامي، مثلما فعلت في 2017 حين أكدت أنها “حركة فلسطينية مستقلة”. بمعنى أن الحركة تصبح أكثر استقلالية تنظيميا وماليا، وتحول مسارات الدعم بعيدا عن المسارات الإخوانية التقليدية.
تداعيات القرار على إسرائيل:
أشاد رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، بالقرار، قائلا: “إنه يثني على الرئيس ترامب على قراره بحظر وتصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية”، مضيفا: ” هذه منظمة تعرض الاستقرار للتهديد في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه. لذلك، قامت دولة إسرائيل فعلا بحظر جزء منها، ونحن نعمل على إتمام هذا الإجراء قريبا”. قد يدفع هذا إسرائيل إلى تكثيف إجراءاتها ضد عناصر تعد واجهات تدعم نشاطات عسكرية أو لوجستية، وقد يسهل على إسرائيل حشد دعم دولي لمزيد من إجراءات الضغط. الإخوان المسلمون ـ إنعكاسات قرار ترامب بحظر الجماعة على أنشطتهم في أوروبا؟
تأثير القرار الأمريكي على جماعة الإخوان المسلمين في الأردن
يمثل الأردن الساحة الأكثر حساسية لأي تحول في السياسة الأمريكية تجاه حركات الإسلام السياسي، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين. الفرع الأردني الذي يخضع للتدقيق هو الكيان نفسه الذي حظر رسميا محليا في أبريل 2025. كان يعاني بالفعل من سلسلة من الأزمات الداخلية المتصاعدة، مما يضاعف من حساسية الوضع الراهن ويضع الجماعة أمام تحدٍ مزدوج، حظر محلي وضغط أمريكي محتمل.
يعزز تصنيف فروع الإخوان في الأردن كـ”منظمات إرهابية” من قِبل الولايات المتحدة القرار الأردني السابق لحظر الجماعة، ويمنح الحكومة الأردنية دعامة دبلوماسية وقانونية إضافية، وقد تجد أي حركات أو مؤسسات يشتبه في صلتها بالإخوان نفسها معرضة لمزيد من الإجراءات محليا أو دوليا.
ما يزيد من مراقبة أشد للأنشطة السياسية، الإعلامية، أو الجمعيات الخيرية التي قد تشتبه بصلتها بالإخوان.
من المرجح أن يحفز القرار الأمريكي إعادة هيكلة داخل منظومة الإخوان المسلمين. قد تختار الجهات الفاعلة الأقرب إلى الإخوان المسلمين إعادة تموضعٍ استراتيجي، إما بتبني خطاب أكثر براغماتية لتجنب الملاحقة الدولية، أو بالانكفاء إلى تنظيمات اجتماعية ودينية أقل عرضة للمساءلة السياسية.
تأثير القرار على جماعة الإخوان في لبنان
لم تكن الجماعة الإسلامية ذات تأثير مهم في الحياة اللبنانية السياسية ال، ودورها محدود في المجالات الاجتماعية والتربوية والحيوية، انخرطت الجماعة في العمل المسلح بعد الاجتياح الإسرائيلي الموسع للبنان عام 1982، عندما أسست “قوات الفجر” التي قامت بعدة عمليات ضد دوريات ومواقع الجيش الإسرائيلي في صيدا، وشاركت في القتال ضد “القوات اللبنانية” حتى في قرى صيدا شرقا.
عقب اتفاق الطائف عام 1989 أنهت الجماعة فعليا أي نشاط مسلح، واتجهت إلى العمل السياسي العلني والمشاركة في الحياة الديمقراطية، لكن عاد هذا الجناح بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023. برز دور الجماعة خلال حرب غزة وأعلنت مشاركتها في العمل العسكري ضد إسرائيل من جنوب لبنان بالتعاون أو التنسيق مع حزب الله وحماس. وبعد إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في 27 نوفمبر 2024، استمرت الجماعة ببقائها دون أي تغيير.
ينعكس أي تصنيف أمريكي سلبا على الوضع المالي للجماعة عبر تضييق الخناق على التحويلات والدعم الخارجي وعمليات التمويل الخاصة بالمؤسسات التربوية والخيرية المرتبطة بها، كما قد تواجه مؤسساتها صعوبة في التعامل مع المصارف اللبنانية التي تلتزم عادة بالمعايير المالية الأمريكية تجنبا للعقوبات، من المرجح أن تتحول الجماعة إلى العمل الأهلي غير السياسي من خلال إعادة تنظيم مؤسساتها الدعوية والخيرية تحت مسميات جديدة، بما يسمح لها بالاستمرار في نشاطها الاجتماعي من دون مواجهة مع الدولة، وقد تلجأ في هذه الحالة إلى تعزيز حضورها المحلي عبر الشخصيات المستقلة القريبة منها.
تداعيات القرار الأمريكي على إخوان مصر
يتماشى قرار “ترامب” بتصنيف فروع الإخوان كـ”منظمات إرهابية” مع موقف القاهرة منذ العام 2013. كما يمنح القرار الحكومة المصرية غطاء دوليا إضافيا لسياساتها تجاه الإخوان. رحبت الحكومة المصرية بالقرار كـ”تأكيد دولي لموقف مصر”، مشددة على أنه سيسهل مكافحة “التمويل الخارجي للإرهاب”. بناء عليه، ستحصل الحكومة المصرية على دعم إضافي على المستويين المحلي والدولي لاستمرار سياسات الحظر والملاحقة ضد أي نشاط يشتبه في صلته بالإخوان. وهذا يمكن السلطات من فرض مراقبة أوسع على الجمعيات، الإعلام، العمل السياسي أو الدعوي المرتبط بجماعة الإخوان أو المتعاطفين معها، ويقيد أي مؤسسات تعمل باسم الإخوان خارج مصر، ويحد من الاجتماعات والفعاليات التي كانت تدار عبر الخارج. يمكن القول إن هذه القرارات بعد تفعيلها لن يكون لها تأثير مباشر على ملاحقة العناصر الإخوانية الهاربة في الخارج، ولكن المهم في تلك القرارات أنها سوف تشجع الدول التي تأوي بعض هذه العناصر وتوفر ملاذا آمنا لها على التخلي عن حمايتهم، وربما تقرر إبعادهم عن البلاد.
التداعيات على دول الخليج
أثار إعلان ترامب موجة من الموافقة في دول الخليج العربي، وبالأخص السعودية والإمارات، التي صنفت الإخوان كمنظمة إرهابية منذ العام 2014، معتبرة إياها مصدرا للاضطرابات، فيما رأت الدولتان فيه انتصارا لتحالفهما مع واشنطن ضد “الإسلام السياسي”. كانت قد أصدرت السلطات السعودية في العام 2014 مرسوما يجرم التعاطف مع الجماعات المتطرفة، وصنفت المملكة الإخوان “تنظيما إرهابيا”. وأبعدت السلطات السعودية مقررات الإخوان عن المدارس والجامعات، وفي 2020، أعلنت هيئة كبار العلماء في السعودية الإخوان جماعة “إرهابية”.
اعتبرت دولة الإمارات العربية المتحدة أي نشاط للجماعة تهديدا للأمن الوطني. وفي العام 2023 أدانت محكمة اتحادية إماراتية (53) متهما من قيادات الإخوان، وفي 2024 قالت السلطات الإماراتية إنها كشفت عن تنظيم سري جديد يقوده عناصر في الخارج. وفي العام التالي أدرجت أبوظبي (19) فردا وكيانا مرتبطين بالجماعة على قائمة الإرهاب. شهدت العلاقة بين الإخوان والسلطات الكويتية توترا حادا، تلتها اعتقالات وتسليم عناصر إخوانية إلى مصر بين عامي 2020 و2023. أكدت السلطات البحرينية في 2017 أن “جماعة الإخوان أضرت بمصر، وأضرت بدولنا”، وعلى هذا الأساس تعتبرها “منظمة إرهابية”، لكنها لم تصدر تصنيفا رسميا للجماعة بعد.
يوفر قرار ترامب بتصنيف الإخوان المسلمين كـ”منظمة إرهابية” غطاء سياسيا وأمنيا يعزز المقاربة الخليجية في اعتبار حركات الإسلام السياسي تهديدا بنيويا للاستقرار الداخلي. يتوقع أن يدفع القرار نحو تشديد الرقابة على الجمعيات الدينية والخيرية وشبكات التمويل العابرة للحدود، فضلا عن تعزيز التعاون الأمني مع واشنطن في تتبع التحويلات والمعلومات الاستخباراتية. تجد بعض الدول الخليجية نفسها بعد قرار “ترامب” بتصنيف الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية في موقع حساس بين التزاماتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وبين سياستها التقليدية المنفتحة نسبيا على شخصيات وتيارات قريبة من الإخوان، ويمارس القرار ضغطا غير مباشر لتقليص المساحات السياسية والإعلامية التي تمنحها لبعض رموز الإسلام السياسي خشية تعرضها لتوصيفات امريكية قد تنعكس على علاقاتها الأمنية والاقتصادية مع واشنطن. الإخوان المسلمون ـ ماإنعكاسات قرار ترامب بوضع الجماعة على قائمة التطرف.
تقييم وقراءة مستقبلية
ـ تمثل خطوة ترامب تحولا نوعيا في مقاربة واشنطن لملف الإخوان؛ إذ تنتقل الإدارة الامريكية من مرحلة الجدل القانوني والسياسي بشأن طبيعة الجماعة إلى خطوات تنفيذية تستهدف فروعا بعينها ثبت ضلوعها في أنشطة متطرفة أو دعم جماعات متطرفة في الشرق الأوسط، وهو ما يعد رسالة واضحة بأن واشنطن ستتعامل مع الإخوان بوصفهم شبكة ممتدة تتجاوز الحدود الوطنية.
ـ يظهر تحليل القرار الامريكي أن واشنطن لم تتجه نحو تصنيف الجماعة الأم، بل ركزت على الفروع المتورطة وفق الرؤية الامريكية في دعم نشاطات متطرفة أو في توفير غطاء تنظيمي وتمويلي لجماعات مرتبطة بحماس. وقد أكسب ذلك القرار طابعا عمليا أكثر منه رمزيا، خصوصا أن الإجراءات القانونية التي يتيحها التصنيف “تجميد الأصول، الملاحقة الجنائية، منع السفر” تعد ذات تأثير مباشر على شبكات الإخوان الإقليمية.
ـ تستفيد الدول الخليجية مثل السعودية والإمارات على مستوى الشرق الأوسط، من القرار بوصفه دعما لرؤيتها تجاه الإسلام السياسي، بينما وجدتا الأردن ومصر فيه غطاء لتشديد إجراءاتها الداخلية ضد الجماعة. أما قطر، فواجهت ضغطا إضافيا يقيد هامش تحركها السياسي في ملفات حساسة مثل غزة. وتؤكد النتائج أن القرار لا يستهدف الإخوان فحسب، بل يطال البنية الواسعة للتحالفات الإسلامية المرتبطة بهم، بما يشمل حماس وشبكات التمويل العابرة للحدود.
ـ يتوقع أن تستخدم دول الخليج كـ”السعودية والإمارات والبحرين” القرار الامريكي لتعزيز نهجها السياسي والأمني تجاه الإسلام السياسي. وهذا سيؤدي إلى مراقبة أكبر على الجمعيات الدينية والمراكز التعليمية المرتبطة بالإخوان، واستخدام الخطوة الامريكية كغطاء دبلوماسي لتشديد إجراءات إضافية وقوانين مكافحة التطرف.
ـ من المرجح أن يؤدي تقويض القنوات المالية المرتبطة بالإخوان إلى تقليص قدرة حماس على الاستفادة من شبكات الدعم التقليدية، ما يرفع كلفة استمرارها في إدارة الصراع. إلا أن الحركة قد تلجأ إلى تمويه ارتباطها بالإخوان أو تعزيز مصادر تمويل مستقلة.
ـ بات متوقعا أن الضغوط الجديدة ستدفع الجماعة إلى إعادة تشكيل هياكلها في المنطقة، بداية من شبكات التمويل، والتحول نحو العمل الأهلي غير السياسي، أو تبني نماذج تنظيمية “لا مركزية” لتجنب الملاحقة القانونية. وقد ينشأ ما يشبه “إخوان ما بعد القرار”؛ تنظيم أقل وضوحا وأكثر سرية.