×


  تركيا و الملف الکردي

  قراءة في قرارات اللجنة البرلمانية بشأن التوجه إلى إمرالي



 

محمد يوسف- القاهرة :يشكّل قرار لجنة التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية في البرلمان التركي في 21 تشرين الثاني 2025 بإرسال وفد رسمي إلى جزيرة إمرالي خطوة لافتة في المشهد السياسي التركي، كونه يأتي في توقيت تتصاعد فيه النقاشات حول آفاق الحل السياسي للقضية الكردية في إطار النداء التاريخي الذي أطلقه القائد عبد الله أوجلان من أجل السلام، لا سيما مع حالة البطء الشديدة من قبل النظام التركي.

وأتى القرار بعد عقد 18 اجتماع للجنة التي كانت بدايتها في آب الماضي، وسط دعوات من كثير من القوى السياسية إلى ضرورة توجه اللجنة إلى إمرالي ولقاء القائد آبو للحديث معه مباشرة باعتباره أكثر من يستطيع أن يقود عملية السلام ويضع الرؤى الصائبة. وقد اتخذت اللجنة قراراها بأغلبية واضحة، حيث صوّت 32 عضوا لصالح القرار، مقابل صوتين معارضين و3 امتنعوا عن التصويت.

 

خطوة طال انتظارها وفرصة فريدة

وقد طرح القائد آبو ندائه التاريخي من أجل السلام والمجتمع الديمقراطي في 27 شباط من العام الجاري، وتواصلت الخطوة تلو الأخرى من الطرف الكردي، وصولا إلى حلّ حزب العمال الكردستاني هيكله التنظيمي، ثم إتلاف عشرات المقاتلين سلاحهم في فعالية رمزية، وصولا إلى انسحاب مقاتلي الحزب من داخل الأراضي التركية.

كل هذه الخطوات الإيجابية غير المسبوقة كانت تتخللها رسائل مستمرة القائد عبد الله أوجلان تدفع مسار السلام إلى الأمام دفعا وتؤطّر له فلسفيا وعمليا، بينما لا يزال النظام التركي يتباطأ ويتلكأ في اتخاذ خطوة ملموسة على الأقل تضاهي ولو قسما بسيطا مما أقدم عليه الطرف الكردي. وحتى اللجنة منذ تشكيلها في آب لم تقدم على خطوة كبيرة، وسط تأكيد على أنها بحاجة إلى الذهاب إلى إمرالي، إلى أن خرج زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي، أكثر الداعمين بالدولة العميقة للعملية، يلوح بتوجهه شخصيا إلى إمرالي إذا تعذر على اللجنة اتخاذ قرار بهذا الصدد. وبالتالي كان لا بد من خطوة تعبر عن أن هناك تقدما ما يحدث في العملية، وهو ما قد كان بهذا القرار.

تعليقا على تلك الخطوة، يقول نيازي حامد المحلل السياسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه من الظواهر النادرة على المستوى العالمي أن يزور وفد حكومي رسمي سجينا سياسيا، إذ تؤكد هذه الحقيقة أن الدولة التركية في مأزق، وتلجأ إلى قائد سياسي مثل عبد الله أوجلان لحلّ مشاكل الدولة وأزماتها.

واعتبر كذلك أن قرار اللجنة يؤكد أن القائد آبو بات يُعترف به رسميا على المستويين العالمي والإقليمي كمحاور رئيسي لقضية الكرد في العالم والإقليم، بمعنى آخر يُنظر إليه أنه الزعيم الأوحد للكرد في دولة ظلت طوال 100 عام تمنع الاعتراف بالوجود الكردي، إلا أنها تتوجه الآن رسميا إلى زعيم کردي وتعترف بوجود الكرد، مشددا على أن الدولة التركية تريد أن تحمي نفسها من التفكك ومن موجة التغيير الحاصلة في المنطقة. بمعنى آخر، بسبب ضعف الدولة، تريد أن تحتمي بالقائد أوجلان وألا تطالها عاصفة التغيير.

 

النظام مطالب بخطوة شجاعة

وكانت كثير من القوى السياسية الداعمة للعملية ترى أن ذهاب اللجنة للقاء القائد آبو ضرورة، لأنها تبدأ قناة حوار رسمية وترسخ لها، على نحو يؤسس لتوافق مجتمعي قائم على الحوار والتواصل المباشر مع القائد، وهو ما سيكون له انعكاسات إيجابية كبيرة على مسار الحل، وخلق حالة من الثقة المجتمعية في العملية التي كان يهددها بطء النظام بالفشل.

 

بدوره، يقول الكاتب الصحفي المصري فتحي محمود، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن نجاح أي مسار حقيقي للسلام في تركيا يقتضي خطوات أكثر شجاعة ووضوحا من جانب الدولة، وفي مقدمتها إنهاء العزلة الجسدية المفروضة على القائد عبد الله أوجلان، باعتباره طرفا أساسيا في أي حل سياسي مستدام، مشددا على أن اللجنة يجب أن تضع ذلك في اعتبارها جيدا، وأن على النظام التركي أن يتخذ خطوة شجاعة بهذا الاتجاه، كما كانت خطوات القائد آبو وحزب العمال الكردستاني أكثر شجاعة باتجاه عملية السلام.

وثمّن محمود قرار اللجنة، لكنه أكد أن استمرار النظام في التعامل البطيء مع ملف السلام يعرقل فرص التقدم، ويُبقي الوضع في دائرة التوتر والجمود. وأضاف أن التجارب الدولية أثبتت أن الانفتاح على قنوات الحوار، وتوفير ظروف إنسانية وسياسية ملائمة لأطراف النزاع، يمكن أن يفتح الباب أمام مرحلة جديدة أكثر استقرارا. ودعا الحكومة التركية إلى التحرك بجدية وبشجاعة قبل أن تتفاقم التعقيدات.

 

موقف حزب الشعب الجمهوري

وقد برز خلال جلسة أمس للجنة موقف حزب الشعب الجمهوري وهو حزب المعارضة الرئيسي في البلاد، الذي رفض المشاركة في الزيارة وأعلن انسحابه من القاعة، في خطوة لاقت انتقادات واسعة داخل الأوساط السياسية التركية الداعمة لمسار السلام، ويطرح تساؤلات حول قناعات الحزب تجاه حلّ القضية، وهو الحزب الذي استفاد من أصوات الكرد في الانتخابات سابقا.

في المقابل، أبدى حزب المساواة وديمقراطية الشعوب أسفه لموقف حزب الشعب الجمهوري والقوى السياسية التي اتخذت موقفا مشابها، وهنا أكد الحزب المسؤولية التاريخية الواقعة على عاتق الجميع في سبيل تعزيز رؤية السلام، قائلا: "إن الخطوات الحكيمة التي سنخطوها اليوم ستفتح باب مستقبل جديد في إطار حقوق الأخوّة. ونأمل أن تكون هذه الزيارة وسيلة لمستقبل مشترك لستة وثمانون مليون إنسان، وللديمقراطية الحرة، وللمواطنة المتساوية، وللسلام الدائم".


23/11/2025