*صلاح الدين دميرتاش
صفحة الكاتب/الترجمة والتحرير: محمد شيخ عثمان
ذهب رجلٌ إلى الطبيب وشرح له مشاكله الصحية وسأله الطبيب عما إذا كان هناك دواء يتناوله بشكل دائم؟فأعطى الرجل اسم دواء وقال: "أنا أستخدمه".
فسأله الطبيب: "أتعلم أن الدواء الذي تستخدمه يسبب الإدمان، أليس كذلك؟"
فأجاب الرجل:
"حسنا يا دكتور، أنا أستخدم هذا الدواء منذ ما يقارب 15 عاما يوميا، ولم أرَ أنه تسبب لي بأي إدمان!"
نحن، ما دمنا نكرر الأفعال نفسها، ونفكر بالطريقة نفسها، ونتحدث بالأسلوب نفسه، فلن نتغير ولن نحدث أي تغيير.
بل إننا لا ننتبه حتى إلى المساحات الضيقة التي حاصرنا أنفسنا بها، وإلى القوالب الجامدة والمحظورات واليقينيات المستهلكة التي باتت تتحكم بعقولنا.
ولا يمكن لأي إنسان أن يبتكر حلولا جديدة أو خلاقة وهو واقف في مكانه، يخشى أن يخطو خطوة واحدة إلى الأمام.
المأزق الذي علقنا فيه هو حصيلة أربعين عاما من الصراع؛ آلام متراكمة، وغضب مكتوم، وأحكام مسبقة، وانعدام ثقة عميق.
لا أقول إن هذه الأشياء بلا قيمة أو بلا أثر، لكن إن لم نعثر على الطرق التي تمكننا من تجاوزها ومعالجة جراحنا، فلن نعي حتى حجم “إدماناتنا” عليها، وسنظل عاجزين عن الوصول إلى حل جذري ودائم.
وفي مجتمع تمنح فيه التضحية بالنفس من أجل الإيمان أو الفكرة أو المبادئ قداسة خاصة، نجد أنفسنا أمام مشكلتين أساسيتين…
أولا: لا يمكننا، ولا ينبغي لنا، أن نمحو أو نتجاهل الذكرى الثمينة لأولئك الذين قدموا أرواحهم، ولا أن نقلل من القيمة المعنوية التي صنعتها تضحياتهم. فهذه الذاكرة جزء من وجدان المجتمع، ومن غير الممكن القفز فوقها أو التعامل معها بخفة.
ثانيا: فإن كون الكثيرين قد ضحوا بأرواحهم من أجل فكرة أو إيمان، لا يجعل تلك الفكرة أو ذلك الإيمان صحيحا تلقائيا من الناحية السياسية أو الاجتماعية. ومع ذلك، يصعب علينا الاعتراف بهذه الحقيقة.
فنحن، حين نقدم هذا القدر الكبير من التضحيات – من أجل الوطن، أو العلم، أو الأيديولوجيا، أو التنظيم – نخشى التفكير بطرق مختلفة أو الإقدام على خطوات جديدة، لأن مجرد التغيير يبدو وكأنه خيانة لما مضى.
لكن في اللحظة التي وصلنا إليها اليوم، يجب أن نقتنع بأمرٍ جوهري: لم يعد مقبولا أن تزهق روح واحدة من أبنائنا بلا معنى.
إن بناء “قانون للأخوة” يقوم على المساواة والعدالة والحرية والديمقراطية، والسعي إلى العيش المشترك بسلام، لا يتعارض أبدا مع المحافظة على ذكرى من فقدناهم، بل هو وفاءٌ لدمائهم.
ومن هذا المنطلق، أتوجه إلى جميع الأطراف وإلى الفاعلين الأساسيين في هذه العملية:
إلى رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، وزعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، وإلى مؤسس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان…
أخاطبكم بصفتي أخا لكم، وسياسيا يعمل من أجل السلام:
أرجوكم، لا تتراجعوا عن الخطوات الملموسة.
لا تجعلوا الضجيج المحيط بكم يحرف اتجاهكم.
ثقوا بأنفسكم، وآمنوا بأن 86 مليون إنسان ينتظرون السلام بلهفة.
كما أن الذين ينتظرون التخلي الكامل عن السلاح والنزول من الجبل – والذين يرون في عبد الله أوجلان “قائدا” – يريدون أن يشهدوا أنه لا يزار ويستمع إليه من قبل أجهزة الأمن فقط، بل من قبل السياسيين أيضا.
يريدون أن يلمسوا أن العودة إلى المسار السياسي أمرٌ ممكن، وأن الدولة صادقة وجادة في هذا الطريق، كي يتمكنوا من وضع السلاح جانبا بصورة نهائية.
وأتوجه هنا أيضا إلى السادة النواب:
لقد أرسلتم شباب هذا البلد لسنوات طويلة إلى الجبال، وإلى العمليات عبر الحدود.
حملتموهم أثقل المخاطر، ودفع بعضهم الثمن بأرواحهم ودمائهم.
واليوم، وقد لاحت فرصة حقيقية لتحمل قدرٍ من المخاطرة من أجل إنهاء هذا الصراع جذريا، أرجوكم تحملوا أنتم أيضا جزءا ولو بسيطا من هذه المخاطرة، وتوجهوا إلى جزيرة إمرالي لوضع نهاية لهذا الملف.
واعلموا أن المخاطرة التي ستتحملونها ليست خطرا على حياتكم كما كان حال شبابنا، بل هي مخاطرة سياسية لا أكثر.
فلنكن جميعا شجعانا، وألا نسمح في اللحظة الأخيرة بأن تجرنا مخاوفنا أو أحكامنا المسبقة أو عاداتنا الراسخة إلى إضاعة فرصة السلام التاريخية. أرجوكم، لا نفعل ذلك.
أبعث إليكم جميعا سلامي ومحبتي من أعماق القلب، وآمل أن نلتقي قريبا في أيام تظِلها الحرية والسلام والديمقراطية والأخوة.
صلاح الدين دميرتاش
8 نوفمبر 2025
سجن أدرنة