×


  الطاقة و الاقتصاد

  الحزمة التاسعة عشرة من العقوبات الأوروبية على النفط والغاز الروسي



 

  

الاقتصادية-نايف الدندني: اعتمد الاتحاد الأوروبي الخميس الماضي الحزمة التاسعة عشرة من العقوبات ضد روسيا، في خطوة تصعيدية جديدة ضمن سياسة العقوبات التي بدأت منذ تدخل روسيا في أوكرانيا في فبراير 2022. هذه الحزمة التي تم اقتراحها من قبل المفوضية الأوروبية في التاسع عشر من سبتمبر 2025 تستهدف بشكل أساسي قطاع الطاقة الروسي خاصة النفط والغاز، مع التركيز على تقليل إيرادات روسيا من التصدير لتمويل آلة حربها ضد أوكرانيا. فقد أدت هذه العقوبات إلى إدراج 69 فردا وكيانا إضافيا في قوائم التجميد الأصولي، ما يرفع إجمالي السفن المدرجة في “أسطول الظل” الروسي إلى 557 سفينة، وحظر الوصول إلى الموانئ الأوروبية كما حظرت الخدمات.

يأتي هذا الإجراء في سياق تصعيد دولي، حيث فرضت الولايات المتحدة عقوبات موازية على شركات نفط روسية كبرى مثل روسنفت ولوك أويل، وأدت إلى ارتفاع فوري في أسعار النفط العالمية.

بدأت العقوبات الأوروبية ضد روسيا في مارس 2014 بعد ضم شبه جزيرة القرم، لكنها تصاعدت بشكل كبير بعد التدخل الكامل في أوكرانيا في 2022 ووصلت الحزم إلى 18 حزمة بحلول أواخر 2024 مع التركيز المتزايد على الطاقة. الحزمة التاسعة عشرة تمثل أقوى الإجراءات حتى الآن على الغاز الطبيعي المسال LNG مع إجراءات إضافية على النفط.

 ففي الحزمة التاسعة عشرة اقترحت المفوضية الأوروبية التركيز على الطاقة والبنوك في دول ثالثة والعملات المشفرة لمنع الالتفاف على العقوبات السابقة خاصة عبر ما سمته المفوضية “أسطول الظل” الذي ينقل النفط الروسي دون رقابة. وفي بيان الإعلان عن حزمة العقوبات شدد الأوروبيون على أنها تزيد الضغط على اقتصاد الحرب الروسي.

لقد شملت العقوبات حظرا كاملا على واردات الغاز الطبيعي المسال الروسي إلى الاتحاد الأوروبي، حيث يبدأ تنفيذه في 25 أبريل 2026 للعقود قصيرة الأجل وفي مطلع  يناير 2027 للعقود طويلة الأجل.

كما يشمل حظرا على نوع معين من الغاز البترولي المسال LPG لمنع الالتفاف، وتم حظر كامل للتعاملات مع شركتي روسنفت وغازبروم نفط الروسيتين مع إلغاء الإعفاءات السابقة لاستيراد نفطهما، فيما أبقت على الإعفاء للنفط من دول ثالثة مثل كازاخستان وعلى سقف السعر 60 دولارا للبرميل المفروض من مجموعة السبع وأدرجت  117 سفينة إضافية في قائمة “أسطول الظل”، ما يحظر خدمات التأمين وتجديد التأمين عليها لمدة تصل إلى خمس سنوات. لم تقف العقوبات في الحزمة التاسعة عشرة عند هذا الحد بل شملت مصافي نفط صينية وشركتي نفط في هونج كونج والإمارات.

واذا أردنا الرجوع إلى تاريخ العقوبات الأوروبية على روسيا لمعرفة تأثيرها، فقبل الحزمة الأخيرة انخفضت واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الروسي بنسبة 89% بين الربع الأول من 2022 والربع الثاني من 2025، مع انخفاض حصة روسيا في واردات الغاز الطبيعي المسال من 22% في 2021 إلى 14% في 2025.

أما النفط فقد انخفضت حصة روسيا في واردات النفط الأوروبية من 29% في 2021 إلى 2% في 2025 بعد حظر الاستيراد البحري في ديسمبر 2022.

تهدف حزمة العقوبات أيضا إلى تنويع مصادر الطاقة لكنها قد ترفع التكاليف على المديين القصير والمتوسط، فقد انخفضت صادرات الاتحاد إلى روسيا بنسبة 61% بين 2022 و2025، ما حوّل العجز التجاري إلى فائض قدره 0.8 مليار يورو في الربع الثاني من 2025، ومع ذلك فقد يؤدي الحظر على الغاز إلى زيادة الاعتماد على الولايات المتحدة، التي قفزت واردات الغاز المسال منها هذا العام إلى 54% ما قد يرفع الأسعار المحلية للطاقة.

وإن كان الاتحاد فد تجنب عجزا تجاريا قدره 42.8 مليار يورو في 2022 بفضل العقوبات السابقة إلا أنه يواجه مخاطر تضخم بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة التي كانت تعتمد على تكاليف أقل عند استيرادها من الجارة روسيا.

وبالنسبة إلى روسيا فإن التبعات الاقتصادية قد تكون قاسية، فمن المتوقع أن تقلل الحزمة من إيراداتها من  الطاقة التي تشكل 40% من ميزانيتها. فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.1% في 2022 وبنسبة إضافية 2.5% في 2023، كما خسرت روسيا 34 مليار يورو من إيرادات النفط في الـ12 شهرا التي أعقبت تطبيق العقوبات السابقة وانخفضت صادراتها البحرية بنسبة 91% إلى دول مجموعة السبع كما واجهت تجميد 300 مليار يورو من احتياطيات البنك المركزي الروسي في إجراء قاسٍ فاقم الأزمة بين روسيا والأوروبيين.

العقوبات الأمريكية الأخيرة بدورها تدعم الحزمة الأوروبية وهو ما تراه واشنطن محفزا لزيادة صادرات الطاقة الأمريكية فقامت بفرض عقوبات على روسنفت ولوك أويل الروسيتين في 22 أكتوبر 2025 ما قد يرفع أسعار الوقود المحلي بنسبة طفيفة لكنه سيفتح أسواقا جديدة للنفط الأمريكي خاصة إلى الهند التي تعهدت بتقليل وارداتها الروسية. يقدر أن تكون العقوبات الأمريكية السابقة قد أسهمت في خفض إيرادات روسيا بنسبة 14%، ما يعزز الاقتصاد الأمريكي عبر زيادة الصادرات.

وعن أسعار النفط العالمية فقد أدت الحزمة إلى ارتفاع أسعار خام برنت بنسبة 8.2% في يوم واحد، فقد ارتفع من 61 دولارا للبرميل في 20 أكتوبر إلى 66 دولارا الخميس الماضي وقت إقرار العقوبات. فيما أدت عقوبات 2022 إلى خصم روسي بنسبة 40% على أسعار النفط الروسي وقد يؤدي الحظر إلى زيادة هذه التخفيضات في محاولة من موسكو لتسويق نفطها وجذب المشترين للالتفاف على العقوبات وتحفيز المخاطرة بشرائه.

إن الحزمة التاسعة عشرة تشكل تحولا إستراتيجيا نحو عزل روسيا في مجال الطاقة مع تبعات اقتصادية عميقة تعزز الضغط على موسكو، لكنها تثير تحديات للأسواق العالمية، ومع استمرار التصعيد قد تشهد الأسعار ارتفاعات وتقلبات أكبر.

من جهتها، أكدت وزارة الخارجية الروسية أن عقوبات الاتحاد الأوروبي غير فعالة، مشيرة إلى تحفظها بحق الرد عليها بما يتناسب مع مصالح موسكو.وأضافت أن «أوروبا لا تستطيع تقبل أن عقوباتها على روسيا لا تجدي نفعا».

منجهته قال كيريل دميترييف، الممثل الخاص للرئيس الروسي والمدير العام للصندوق الروسي للاستثمار المباشر إنه لن يناقش تخفيف القيود الأمريكية المضادة لروسيا مع المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف.

دميترييف حول العقوبات: ستؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط في العالم بينما روسيا ستبيع كمية أقل بسعر أعلى

وردا على سؤال لـCNN عما إذا كان يخطط لمناقشة إمكانية تخفيف القيود المضادة لروسيا التي فرضتها واشنطن مؤخرا مع ويتكوف. أجاب دميترييف: "لا. ... أعتقد أن الحوار هنا مهم جدا، إذ يمكن حل النزاعات فقط من خلال الحوار. من المهم فهم الموقف الروسي واهتمامه بالمخاوف الأمنية قبل غيرها. العقوبات ليست مسألة جوهرية إلى هذا الحد... السؤال الحقيقي هو كيفية مواصلة الحوار، وكيفية تحقيق تسوية سلمية للأزمة، والبحث عن حلول واقعية، وليس الترويج لحلول غير واقعية".

وكما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سابقا، فإن القيود الأمريكية الجديدة لن تؤثر بشكل جوهري على "الرفاه الاقتصادي" للبلاد. وأشار بوتين إلى أن العقوبات تمثل فعلا غير ودّي تجاه موسكو، وأن هذه الخطوة "لا تعزز العلاقات الروسية الأمريكية، التي بدأت للتو في التعافي". وشدد بوتين على أن مثل هذه الإجراءات من جانب الإدارة الأمريكية لا تؤدي إلا إلى الإضرار بالعلاقات الروسية الأمريكية.


26/10/2025