×


  حوارات

  رئيس الجمهورية: أشعر بالفخر لصبر الشعب العراقي وأشاركهم معاناتهم



من واجب الحكومة الاتحادية احترام مطالب وحقوق إقليم كردستان

 

 

في مرحلة دقيقة يمرّ بها العراق، حيث تتقاطع فيها التحديات الداخلية مع التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، تبرز الحاجة إلى خطاب سياسي متوازن ورؤية واضحة تقود البلاد نحو الاستقرار والسيادة المستدامة. ولا شك أن فخامة رئيس جمهورية العراق، الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد، يجسد هذه الرؤية المتوازنة، بما يمثله من رمزٍ للدستور ووحدة البلاد، وكصوتٍ وطنيّ يسعى لترسيخ مبدأ التوازن في العلاقات الداخلية والخارجية.

وانطلاقا من هذا الدور، تشرفت جريدة “الصباح الجديد” بإجراء لقاء حصري مع فخامته، تناول فيه أبرز القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي في هذه المرحلة الحساسة، بدءا برؤيته الاتسراتيجية لتعزيز الاستقرار وترسيخ السلام في العراق، مرورا بالحديث عن العلاقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، وصولا إلى ملف المياه والأمن المائي الذي يمثل التحدي الأكبر للحكومة والمجتمع، إلى جانب الحديث عن موقع العراق في المشهد الإقليمي والدولي، ورؤيته لمستقبل البلاد في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية الراهنة.

وقد تميز حديث رئيس الجمهورية بالعمق والوضوح، مقدِّما تحليلا دقيقا لجملة من الملفات المعقدة، ومؤكدا في الوقت ذاته على أن الاستقرار السياسي والحفاظ على وحدة العراق هو الأساس الذي تبنى عليه كل خطط التنمية والإصلاح. كما شدد على أهمية العمل المشترك بين السلطات، وتعزيز الشفافية والإدارة الرشيدة للموارد، ولا سيما المياه والنفط، بما يضمن حقوق جميع العراقيين دون استثناء.

وقد أثرى فخامة الرئيس اللقاء بما طرحه من رؤى واقعية ومعلومات قيّمة بشأن طبيعة التحديات التي تواجه البلاد، ورؤيته المتكاملة لآفاق الحل، ما جعل الحوار وثيقة سياسية مهمة تعبّر عن روح الدولة العراقية الحديثة، وتسهم في إرساء خطاب وطني جامع يعزز الثقة بين المواطن ومؤسسات الحكم.

 

*ما أولوياتكم الاستراتيجية لتعزيز الاستقرار وترسيخ دعائم الحكم الرشيد في العراق؟

-أولوياتي للعراق الجديد، عراق ما بعد الإرهاب، تنطلق من هدف أساسي هو تحقيق الاستقرار والأمن والسلام في جميع أنحاء البلاد. فالعراق مرّ بمراحل صعبة ومعقدة، عانى خلالها شعبنا كثيرا من الإرهاب والخلافات والصراعات والحروب، بدءا من مرحلة الاحتلال وما رافقها من تداعيات أمنية وسياسية، وانتهاء بسنوات الإرهاب التي شهدت تفجيرات يومية وأعمالا وحشية راح ضحيتها آلاف الأبرياء.

وأنا أفتخر بصبر شعبنا العراقي العظيم، الذي أعدُّ نفسي شريكا له في معاناته، لذلك فإنني أسعى بكل جهدي لكي يتمتع العراقيون بقدر أكبر من الديمقراطية والحرية، وأن لا نعود مطلقا إلى الدكتاتورية أو الحكم الفردي، بل نمضي نحو دولة المؤسسات واحترام القانون، وضمان استقرار مؤسسات الدولة لتقديم أفضل الخدمات للمواطن في مختلف المجالات.

إن دستورنا العراقي عصري وديمقراطي، وقرارنا بتقاسم السلطة قرار حكيم وصائب يصب في مصلحة الوطن، لأنه يمنح المواطن قدرا أكبر من الحرية والأمن. لذلك أرى أنه من الضروري جدا تطبيق بنود الدستور كافة دون انتقائية، ومراعاة ما جاء فيه من مبادئ العدالة والمساواة، إلى جانب الالتزام بتنفيذ التشريعات الصادرة عن مجلس النواب ومجلس الوزراء، خصوصا تلك التي تلامس حاجات المواطنين وتطلعاتهم نحو حياة كريمة.

لقد تمكن العراق، بفضل تضحيات أبنائه الشجعان، من القضاء على الإرهاب واستعادة الاستقرار النسبي، كما أن الخلافات الداخلية، اليوم، أقل حدة بكثير مما كانت عليه في فترات سابقة، وهذا إنجاز كبير يحسب للشعب العراقي وقيادته. كذلك فإن علاقاتنا الخارجية تشهد تطورا إيجابيا، سواء مع دول الجوار أو مع المجتمع الدولي، وقد لمسنا ذلك بوضوح من خلال المشاركة الفاعلة للعراق في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة ، حيث قمنا بواجبنا في الدفاع عن مصالح شعبنا ومارسنا دورنا كدولة مؤثرة في المنطقة وقضاياها الحيوية.

وأؤكد أن من الضروري الاستمرار في تعزيز العلاقات مع دول الجوار على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وقد شهدنا بالفعل تحسنا ملحوظا في هذا المجال من خلال تبادل الزيارات الأمنية والسياسية وتنامي التعاون التجاري. كما نحرص على تبادل الخبرات ووجهات النظر بما يخدم مصالح بلدنا وشعبنا.

إن هدفنا في هذه المرحلة الحساسة هو الحفاظ على المكتسبات الأمنية والسياسية التي تحققت، وعدم السماح مطلقا بأي محاولة للعودة إلى الماضي، بل مواصلة البناء على ما تحقق من إنجازات نحو عراق آمن، موحد، مزدهر، يتمتع فيه المواطن بالكرامة والحقوق الكاملة.

 

كيف ينظر فخامة الرئيس إلى ملف المياه وأهميته في ظل التحديات التي تواجه العراق في هذا المجال الحيوي؟

كما تعلمون، يعتمد العراق، بشكلٍ شبه كامل، على نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من خارج أراضيه، وهو ما يجعل ملف المياه مسألة سيادية وحيوية تتطلب اهتماما استثنائيا في سياساتنا الداخلية والخارجية. ولذلك أرى أن من الضروري تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع دول الجوار، وبالأخص تركيا وإيران وسوريا، من أجل ضمان حصة عادلة وكافية من المياه تلبّي احتياجات البلاد المتزايدة في مجالات الشرب والزراعة والاستخدامات الأخرى.

لكن معالجة أزمة المياه لا تتوقف عند البعد الخارجي فحسب، بل تشمل أيضا إصلاح السياسات الداخلية في إدارة الموارد المائية. نحن بحاجة إلى خطوات جدية للاستخدام الأمثل للمياه وتقليل الهدر، سواء في مياه الشرب أو الري أو الاستخدامات الزراعية. كما يجب أن تترافق هذه الجهود مع تحسين بيئة الأنهر ومصادر المياه للحفاظ على استدامتها للأجيال القادمة.

من الضروري أن نتبنى التقنيات الحديثة في مجال الزراعة والري، كما هو الحال في الدول المتقدمة، مثل أنظمة الري بالتنقيط والرش، والتي تتيح توفير كميات كبيرة من المياه وتقليل الفاقد بدرجة ملحوظة. هذه الأساليب أصبحت ضرورة وليست ترفا، لأنها تسهم في رفع كفاءة الإنتاج الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي في الوقت نفسه.

ولا يمكن إغفال تأثير التغيّر المناخي في تفاقم أزمة المياه في العراق، فارتفاع درجات الحرارة وقلة تساقط الأمطار أثرت سلبا على الخزين المائي. ومع ذلك، يمكننا الاستفادة من مواسم الأمطار لتعزيز خزيننا المائي عبر إنشاء السدود والخزانات في أماكن متعددة، لا سيما في إقليم كردستان والمناطق الشمالية، للحد من عمليات الهدر والاستفادة المثلى من كل قطرة ماء.

إن أمن المياه جزء لا يتجزأ من الأمن الوطني العراقي، ويتطلب تعاونا مؤسسيا بين الحكومة الاتحادية والإقليم والمحافظات كافة، إضافة إلى تفعيل الدبلوماسية المائية على المستوى الإقليمي والدولي. هدفنا النهائي هو أن نضمن للعراقيين حصة عادلة من المياه، وأن نحافظ على هذه الثروة بوصفها شريان الحياة وركيزة التنمية والاستقرار في البلاد.

 

كيف تنظرون إلى النصوص الدستورية التي تحدد صلاحيات رئيس الجمهورية في النظام السياسي العراقي؟

لقد حدد الدستور العراقي بوضوح صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس القضاء الأعلى، في إطار نظام ديمقراطي يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها. وهذا المبدأ يشكل حجر الزاوية في بناء الدولة العراقية المعاصرة، ويضمن عدم تداخل الصلاحيات أو تغوّل سلطة على أخرى.

إننا نعيش في ظل نظام ديمقراطي حقيقي، يستند إلى احترام المؤسسات الدستورية، ومنها إقليم كردستان الذي أقره الدستور ككيان دستوري، وله وضعه الخاص في إطار الدولة الاتحادية. ويجب أن يُفهم هذا التعدد المؤسسي باعتباره عامل قوة وتنوع، لا مصدر خلاف أو تنافس.

لقد حدد الدستور لكل مؤسسة دورها وصلاحياتها بوضوح: مجلس النواب يتولى التشريع والرقابة، وتتكون السلطة التنفيذية الاتحادية في العراق من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، أما السلطة القضائية فتيتولاها مجلس القضاء الاعلى والمحاكم. هذا التوازن هو الذي يحافظ على سير الدولة على وفق الأطر القانونية والدستورية ضمن برنامج حكومي ووزاري مدروس.

وفي هذا السياق، أود الإشارة إلى أن الحديث عن صلاحيات مجلس الوزراء له أهمية خاصة، لأنه يمثل السلطة التنفيذية الفعلية المسؤولة عن إدارة شؤون البلاد اليومية، واتخاذ القرارات التي تمس حياة المواطنين وتلبي تطلعاتهم. ومن هنا، فإن من الضروري أن تعمل كل وزارة ضمن برنامج حكومي مدروس ومخطط له من قبل المختصين، بما ينسجم مع سياسات الدولة العامة ويخدم مصالح الشعب.

 

 

ما رأيكم بطبيعة العلاقة الحالية بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان؟

-من واجب الحكومة الاتحادية احترام مطالب وحقوق إقليم كردستان، وفي الوقت نفسه من مسؤولية الطرفين بناء علاقة متينة تقوم على التعاون والتفاهم بما يحقق تطلعات الشعب العراقي، سواء في الإقليم أو في سائر المحافظات. فالإقليم جزء أساسي من العراق، وأي استقرار أو ازدهار فيه ينعكس إيجابا على البلاد كلها.

أستطيع القول إن العلاقة الحالية بين بغداد والاقليم جيدة وإيجابية بشكل عام، لكن كما في أي دولة اتحادية، تبقى هناك بعض القضايا التي تحتاج إلى دراسة معمقة وقراءة دقيقة للأحداث بما يحقق مصالح الجانبين. ومثلما توجد تحديات في العلاقة بين الحكومة الاتحادية وبعض المحافظات، فإن هناك أيضا ملفات عالقة بين بغداد والإقليم، وفي مقدمتها ملف النفط والموارد الطبيعية. فالدستور العراقي ينص بوضوح على أن النفط والغاز ملكٌ للشعب العراقي كله، لكن للأسف لم يتم حتى الآن إقرار قانون ينظم بشكل تفصيلي آليات إنتاجه وتصديره وتوزيع عائداته. أما الاتفاق الأخير بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان بشأن ملف النفط، فأراه خطوة إيجابية ومهمة نحو بناء الثقة وتعزيز التنسيق بين الطرفين، لكنه يحتاج إلى تثبيت قانوني دائم عبر إقرار قانون النفط والغاز الذي يُعدّ، برأيي، الضمانة الحقيقية لعلاقة مستقرة ومستدامة بين بغداد والاقليم.

إن مستقبل العلاقة بين الحكومة الاتحادية والإقليم يجب أن يقوم على الشراكة الدستورية والعدالة في توزيع الموارد، والاحترام المتبادل للسلطات، فبهذه الروح وحدها نستطيع أن نضمن استقرار العراق ووحدته، ونمنح أبناءه في جميع مناطقه شعورا بالمواطنة المتساوية والانتماء إلى دولة واحدة قوية وعادلة.

 

برأيكم، ما سبب تأخر إقرار قانون النفط والغاز، حتى اليوم، رغم أهميته البالغة للاقتصاد الوطني؟

في الحقيقة، الجميع يتحمل جزءا من مسؤولية تأخر تشريع قانون النفط والغاز، سواء على مستوى المؤسسات التشريعية أو التنفيذية أو حتى القوى السياسية المختلفة. فهذا القانون يمثل أحد أهم الأسس لتنظيم إدارة الثروة الوطنية وتوزيعها بعدالة، وكان ينبغي أن يُقر منذ سنوات طويلة.

أود أن أذكّر أن مشروع القانون كان جاهزا منذ العام 2007، وقد عملنا عليه بجد، ووُضع بصيغته النهائية بعد مناقشات موسعة شاركت فيها أطراف حكومية وفنية عديدة. وقد وافق عليه مجلس الوزراء آنذاك وأحاله إلى مجلس شورى الدولة لاستكمال الإجراءات القانونية اللازمة. لكن للأسف، جرى تعديل الكثير من النصوص الأساسية التي أعددناها، رغم أن صلاحيات مجلس شورى الدولة في تلك المرحلة كانت محدودة بمراجعة الجوانب القانونية اللغوية وصياغة النصوص، لا التعديل في الجوهر أو المضمون، ما أدى إلى تعطيل عملية تمرير القانون في حينه، ثم جاءت بعد ذلك أزمات أمنية وسياسية متلاحقة، أبرزها الحرب ضد الإرهاب وتدهور الوضع الأمني، لتؤخر أكثر إمكانية إعادة طرح القانون ومناقشته بشكل جدي.

ومع أن هذا الملف ظل معلقا لسنوات طويلة، إلا أنني آمل أن يشهد المستقبل القريب توافقا وطنيا على إقراره، لما فيه من مصلحة عليا للعراق والعراقيين جميعا.


19/10/2025