×

  رؤى حول العراق

  الحرب بين وإسرائيل وإيران وتأثيرها على العراق والمنطقة



 

*مؤسسة "MERI"البحثية

ركّزت هذه الحلقة النقاشية التي شارك فيها أربعة خبراء على التصعيد المحتمل للصراع الدائر بين إسرائيل وإيران في الشرق الأوسط، وتداعياته على الاستقرار الإقليمي، آخذا بنظر الاعتبار موقف العراق الهش. وناقش الخبراء جوانب مختلفة من الاوضاع بما في ذلك دور الولايات المتحدة، والاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، والبرنامج النووي الإيراني، والعواقب الإقليمية المحتملة لإضعاف إيران. كما تطرقت المناقشة إلى التحديات التي يواجهها العراق والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى في التعامل مع المشهد الجيوسياسي المعقد، فضلاً عن الآثار المترتبة على المدى الطويل على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

 

تهديدات التصعيد في الشرق الأوسط

استهل الدكتور دلاور علاء الدين، رئيس مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث (ميري)، بتأطير النقاش وتركيز الأذهان على خطر التصعيد في الشرق الأوسط، لا سيما فيما يتعلق باحتمال تورط الولايات المتحدة في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية وتأثيرها المحتمل على العراق وإقليم كوردستان. وسلط الضوء على تعرض العراق لخطر الوقوع بين الولايات المتحدة الحليفة والجهات الفاعلة غير الحكومية المتحالفة مع إيران في العراق، مؤكداً على ضرورة دراسة الآثار المترتبة على مثل هذا التصعيد.

 

الاستراتيجيات الأمريكية والإسرائيلية

وأشار علاء الدين إلى أن الولايات المتحدة قد لا تتدخل بشكل مباشر في الوقت الراهن، ولكنها دعمت إسرائيل طوال الوقت بشكل غير مباشر من الخلفية، مما يسمح للصراع بأن يستمر لفترة أطول. لكن الأسئلة الرئيسية هي ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنضم إلى الهجمات على إيران ومدى اختلاف الأهداف الأمريكية والإسرائيلية.

وفي هذا الصدد، شارك كينيث بولاك، نائب رئيس معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن، رؤيته حول عملية صنع القرار لدى الرئيس ترامب، مشيرًا إلى أنه في حين أن ترامب قد يميل إلى التدخل، إلا أنه لم يتخذ قرارًا نهائيًا بعد. وأشار إلى أن أسلوب ترامب في اتخاذ القرارات في اللحظة الأخيرة وانتقاده الأخير لتاكر كارلسون، الحليف البارز في حركة ”ماغا“، قد يكونان مؤشرين على تفكيره في هذه القضية. وأشار إلى أن ميل الرئيس ترامب في البداية إلى دعم إسرائيل خفف بفعل حدة الضغوطات السياسية الداخلية، لا سيما  تلك المتأتي من فصيل انعزالي جديد داخل دائرته الانتخابية.

وأوضح بولاك أن كلاً من إسرائيل وإيران منخرطتان حالياً في أعمال سرية تركز على أهداف محددة ومختلفة بدلاً من القيام بتصعيد إقليمي أوسع. ووفقًا لبولاك، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل تؤكدان على الأهمية الاستراتيجية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية، لا سيما موقع فوردو، ومنع إيران من إعادة بناء برنامجها النووي، وهو ما سيكون محور أي تدخل أمريكي وليس مجرد دعم العمليات الإسرائيلية الحالية.

 

تغيير النظام ليس على جدول الأعمال

أكد بولاك أن إسرائيل لا تهدف حاليًا إلى تغيير النظام في إيران. وأوضح أن الحملة العسكرية الإسرائيلية في إيران تركز على تدمير البرنامج النووي والبنية التحتية العسكرية، بدلاً من السعي إلى تغيير النظام أو استهداف الأصول المدنية. وأشار إلى أن الإسرائيليين يتأنون في ضرباتهم، ويرسلون إشارات إلى النظام الإيراني لوقف هجماتهم على المدن الإسرائيلية. وأعرب بولاك عن قلقه من أن الإدارة الأمريكية قد لا تفهم الاستراتيجية الإسرائيلية بشكل كامل وربما تقوضها.

ووفقًا لأنيسة بيساري تبريزي، كبيرة المحللين في مؤسسة” كونترول ريسكس“ومقرها أبو ظبي، فإنه في الوقت الذي لا يزال فيه الشعب الإيراني صامدًا ويواصل حياته اليومية رغم الاضطرابات، فإن هناك قلقًا من أن يكون تغيير النظام أجندة محتملة للولايات المتحدة وإسرائيل. وشككت في جدوى مثل هذا الهدف في إيران، مشيرةً إلى عدم وجود استعداد ودعم داخلي لمثل هذا الانتقال.

وذكّر علاء الدين الحاضرين بأن تغيير النظام ليس المصطلح الأكاديمي الصحيح، ولكن انهيار النظام أو الانقلابات الداخلية قد يكون أكثر دقيقا. وأضاف أنه حتى في هذه الحالة، فإن انهيار النظام أمر مستبعد جدًا وصعب للغاية في غياب غزو خارجي أو معارضة قوية، مستشهدًا بأمثلة تاريخية (نظام البعث كمثال على ذلك) وقوة المؤسسات الأمنية الإيرانية القائمة.

 

مرونة إيران وسط توترات النظام

أشار دلاور علاء الدين إلى أن الدعم الخارجي الذي تتلقاه إيران من دول مثل روسيا والصين محدود، وأن البلاد تعاني من عزلة نسبية، لكنه طلب من تبريزي تحليلها للديناميات الداخلية. ذكرت تبريزي أن خوف الشعب الإيراني من عدم الاستقرار وقضايا الحقوق المدنية بعد تغيير النظام يمثل مصدر قلق كبير. وقدمت سياقًا حول الجدول الزمني للمفاوضات ووجهة النظر الإيرانية، موضحة أن الإيرانيين يعتبرون عملية التفاوض شرعية على الرغم من التصعيد العسكري في نهاية المطاف. وأبرزت تبريزي أن النظام الإيراني من غير المرجح أن يستسلم دون شروط وقد تتصاعد وتيرة الديناميات أكثر إذا زادت مشاركة الولايات المتحدة، مما قد يدفع إيران  الى استهداف المصالح الأمريكية.

استقرار العراق وسط الصراع الإقليمي

ناقش دلاور  علاء الدين تداعيات الصراع المستمر على العراق، مشيرًا إلى أن البلاد في موقف حرج بين قوى إقليمية قوية. وقد مارست الحكومة العراقية حتى الآن ضبط النفس، وأصدرت بيانات عامة، لكنها لم تفعل الكثير للتدخل. ثم دعا المتحدثين الآخرين إلى تقديم توصيات سياسية للحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان. كان بولاك أول من شدد على ضرورة بقاء العراق وإقليم كردستان بعيدين عن الصراع، لتجنب أن يصبحوا أهدافًا.

ووفقًا لريناد منصور، باحث متقدم في معهد تشاتام هاوس في لندن، تمكن العراق منذ 7 أكتوبر 2023 من البقاء بعيدًا عن الصراع الإقليمي، مع إعطاء الأولوية للاستقرار والتنمية على الصلات الأيديولوجية بالمقاومة. تركز الحكومة، التي تهيمن عليها النخبة الشيعية، على الحفاظ على السلطة والاستقرار، خاصة في عام الانتخابات هذا، وتتابع سياسة خارجية متعددة المحاور. في حين أن بعض الجماعات المسلحة قد يكون لها مصالح متضاربة، فإن السياسة العامة عبر المؤسسة الشيعية هي إعطاء الأولوية للاستقرار. المنطقة حالياً في حالة صراع البقاء، حيث تطغى المخاوف الاقتصادية والأمنية على سيطرة أي جماعة. وأكد منصور أن حكومة بغداد الهشة تواجه تحديات كبيرة في إدارة هذه العلاقات. واقترح أن أفضل مسار للعمل بالنسبة للعراق هو الانتظار والترقب مع العمل مع دول الخليج مثل السعودية والإمارات، التي تدفع نحو السلام مع إيران.

وتناول علاء الدين أسئلة حول الانتخابات العراقية والتدخل الإقليمي المحتمل في الصراع، معربًا عن عدم يقينه بشأن جدوى الانتخابات إذا طال أمد الصراع.

 

التحولات الاستراتيجية في الشرق الأوسط

تساءل علاء الدين عن الآثار الأوسع نطاقاً على المنطقة بأسرها في حال إضعاف إيران في المنطقة، من اليمن إلى بلاد الشام، مشيراً إلى ضرورة النظر في إعادة ترتيب الأوضاع على المدى الطويل وبنية الأمن في المنطقة.

ووافق بولاك على ذلك وأشار إلى التحول المحتمل في الشرق الأوسط بعد الحرب الحالية، مشدداً على ضرورة التركيز على منع إيران من حيازة أسلحة نووية. وأبرز الضعف الواضح لنفوذ إيران في المنطقة، بما في ذلك في لبنان وسوريا ومع الحوثيين. وعارض بولاك اتفاقيات الحد من التسلح مع إيران، ودعا بدلاً من ذلك إلى اتباع نهج شامل لمواجهة محور المقاومة. كما توقع أن تؤدي الحرب إلى توتر العلاقات بين إسرائيل والدول العربية المعتدلة، ولا سيما المملكة العربية السعودية، مما قد يجعل إحراز تقدم في القضية الفلسطينية أكثر صعوبة.

ناقش منصور تداعيات إضعاف إيران على حلفائها في العراق، مشيرًا إلى الفراغات المحتملة الناجمة ولكن أيضًا إلى محدودية دور الجهات الخارجية في تشكيل السياسة العراقية. أعربت تبريزي عن قلقها بشأن الوضع الإقليمي، لا سيما فيما يتعلق بعلاقة إيران وإسرائيل بدول الخليج. وجادلت بأن ضعف إيران قد يكون أكثر خطورة على المدى الطويل.


29/06/2025